بعيداً عن قضية فواتير الكهرباء الأخيرة التي أشبعت بحثاً من الجهات كافة ويتطلب من الجهات المعنية حسم النقاش بشأنها من خلال اللجوء لجهة فنية محايدة تشرح للرأي العام ما حدث فعلاً بكل جرأة ومصداقية، دعونا نتحدث فعلاً عن سرقة الكهرباء.
يعتقد البعض أن سرقة الكهرباء والاعتداء على الشبكات وحالات الاستجرار التي تحدث في مختلف محافظات المملكة أمر عادي وضمن المنطق، لكن للأسف هذه الحالات بلغت من حجمها ما يمكن لنا أن نصفه بأنه حقيقة مؤلمة تتجاوز بحقيقتها ما يظنه البعض بأنه أمر طبيعي، رغم التعديل التشريعي الأخير على قانون الكهرباء الذي تم من خلاله تغليظ العقوبات على الاعتداءات والاستجرار غير المشروع للكهرباء وفرض عقوبات بالنص الصريح من عقوبات مالية والسجن، إلا أن حالات الاعتداء على الكهرباء متواصلة ولم تتراجع أبداً، بل هي في تزايد مستمر، وقد ضبطت هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن أكثر من 19 ألف حالة سرقة كهرباء خلال العام الماضي، و1706 حالات سرقة كهرباء خلال شهر كانون الثاني (يناير) الماضي.
أرقام مخيفة تدلل على استمرارية حالة العبث بالكهرباء، مما يتسبب بخسائر مالية كبيرة في القطاع تذهب إلى جهات غير مستحقة بصورة غير مشروعة، بينما يدفع آخرون التزاماتهم حسب القانون من دون أي مخالفات.
من يصدق أن التقديرات الرسمية لسرقة الكهرباء في المملكة تتجاوز 200 مليون دينار سنويا، فضلا عن الفاقد الفني.
هناك محافظات وأماكن واضحة في المملكة تحدث بها سرقة الكهرباء جهاراً نهاراً، والأمر غير مخفي على الجهات المعنية هناك، فهي تعرف من يسرق الكهرباء ومن لا يدفع ثمنها.
الرقم يتجاوز 200 مليون دينار، وهو أعلى بكثير من فاتورة الدعم التي أوجعت رؤوسنا الحكومة وهي تتحدث عنها في كل فترة وباتت كابوسا يحيط بالأمن المعيشي للأردنيين.
نعم، هناك تقصير واضح من المعنيين بمختلف المؤسسات الرسمية في ضبط حالات السرقة للكهرباء، وهناك تهاون في بعض الأماكن وهناك تشدد في أماكن أخرى، وهذه المزاجية كان لها تداعيات وخيمة على انتشار مظاهر متعددة لسرقة الكهرباء في المملكة بدلا من تراجعها.
هذا المشهد مؤسف ويبعث على القلق، لأنه سرقة في الشارع العام وأمام مرأى وأعين الجميع، فيه جسارة من مرتكبيه على القانون وعدم مبالاتهم بالعقاب، لأنهم يعتقدون أنه لا يمكن معاقبتهم طالما بقيت مزاجية التعامل مع المخالفين وفق أهواء المسؤولين.
سرقة الكهرباء لا تختلف كثيرا عن سرقة المياه، فالأمر سيان، والأموال الفاقدة على الخزينة تفوق قيمة كل عائدات التحصيلات الجبائية التي اتخذتها الحكومة في الأعوام الثلاثة الماضية وأسهمت بزيادة الأعباء على القطاع الخاص والأردنيين، ما أدى في المحصلة إلى انكماش الاقتصاد وتراجع النمو الاقتصادي.
تشدد الدولة في تحصيل حقوق الخزينة هو أولوية العمل للإدارة المالية في الحكومة، فبدلاً من رفع الرسوم والضرائب، فلتحصّل الحكومة أموالها من المعتدين على شبكات الكهرباء والمياه والمتهربين ضريبياً، حينها صدقوني لن يكون هناك حاجة لرفع أي أسعار، وحتى لو تمت فهي تنطلق ضمن إطار التعامل بعدالة مع الجميع.
بعض المحافظات تعاني شركات الكهرباء الأمرين في عمليات التحصيل، ولا نبالغ إن قلنا إن في بعض الأماكن المخدومة في عدد من محافظات المملكة لا تتجاوز نسبة التحصيل 20 بالمائة فقط لا غير، والأمر لا يقتصر على المحافظات، وإنما أيضا يمتد الى العاصمة عمّان.
العقوبات السابقة غير رادعة، والأمر يحتاج الى حزم أكبر وتنسيق أعلى بين هيئة الطاقة وشركات الكهرباء والأجهزة الأمنية لضبط حالات العبث من جهة، ودعم عمليات التحصيل من جهة أخرى، فشركات الكهرباء لديها استثمارات أردنية عربية أجنبية مشتركة يجب حمايتها والحفاظ عليها.