جيدة خطوة رئيس الوزراء ومجلس النواب بتشكيل لجنتين للتدقيق والبحث في الشكاوى الواسعة بارتفاع قيم فواتير الكهرباء الأخيرة، بالتوازي مع الاستعانة بشركة متخصصة محايدة لدراسة التظلمات والأرقام الواردة في الفواتير، والتثمين لهذه الخطوة هنا لا يأتي من التفاؤل كثيرا بإمكانية الإقرار بوجود إجحاف وزيادة بالفواتير بقدر ما هو رضوخ الحكومة وشركات التوزيع للرأي العام والإقرار بوجود مشكلة حقيقية تحتاج لتوقف جدي وطويل أمامها.
وبعيدا عن تفصيلات المشكلة الحالية التي تمثلت بالشكاوى الواسعة من ارتفاع قيم فواتير الكهرباء للشهرين الأخيرين والتشكيك بوجود قرار مركزي بالمبالغة بالرفع لتحصيل أكبر قدر من الأموال من جيب المواطن، فإن إثارة هذه القضية عبر المنابر المتاحة للرأي العام أكدت على حجم العبء الكبير الذي يتحمله أغلب المواطنين تحت بند توفير الطاقة للأسر، ليس فقط لناحية الكهرباء بل تجاه مختلف أوجه الطاقة من محروقات وغاز ووقود للسيارات، إلى الدرجة التي باتت تنافس فيها مخصصات الطاقة أجرة المسكن أو قرضه البنكي بموازنة الأسر ما يستنزف قدرتها على تأمين مخصصات باقي الاحتياجات من تغذية وتعليم وصحة وغيرها.
لذلك كانت الضجة والانتقادات واسعة وحادة من ارتفاع قيم فواتير الكهرباء، حيث جاء ارتفاع عبء فاتورة الكهرباء في ظل الانحدار المتواصل لمستويات المعيشة وتآكل الأجور واتساع رقعة الفقر والبطالة والاستنزاف المتواصل للأموال المنقولة وغير المنقولة لبعض الشرائح المجتمعية لمجاراة ارتفاع كلف المعيشة وتأمين أساسيات الحياة.
كما تظهر مشكلة ارتفاع تعرفة الكهرباء والطاقة وأعبائها المتزايدة بوضوح على العديد من القطاعات الانتاجية الصناعية والزراعية والتجارية والخدمية، ما يرسخ من حدة الأزمة ويفاقم من انعكاساتها على الوضع العام.
آن الأوان للحكومة أن تقر بأن ارتفاع كلف الطافة، بما فيها الكهرباء، بات عاملا رئيسا ليس فقط لزيادة أعباء الحياة على الشريحة الأوسع من المواطنين، بل وأيضا معيقا رئيسا للتنمية وعجلة الإنتاج والحركة الاقتصادية ويستنزف من قدرة مختلف القطاعات الإنتاجية على العمل والمنافسة ما يرتد بالمحصلة سلبا على الاقتصاد الوطني وعلى نموه وانتعاشه.
مطلوب من لجان التدقيق بمشكلة ارتفاع قيم فواتير الكهرباء العمل بجدية على إظهار الاختلالات وأسباب المشكلة ومعالجتها وعدم التهاون في الاستجابة لشكاوى المواطنين وضرورة استعادة جزء من الثقة المفقودة بالمؤسسة الرسمية.
لكن المطلوب أكثر وبصورة عاجلة إعادة النظر بتعرفة الكهرباء وخفضها سواء للاستخدام المنزلي أو الصناعي والتجاري والتعامل برؤية شمولية وحكيمة مع ملف الطاقة ودوره في عجلة الانتاج والتحفيز الاقتصادي من جهة وأيضا دوره في العبء المعيشي الكبير على الأسر من مختلف الشرائح المجتمعية.
نخشى أن يكون تعامل الحكومة مع هذه القضية مجرد نوع من المشاغلة للرأي العام ومحاولة لتمرير الأزمة عبر المراهنة على الزمن بتشكيل لجان والغوص في بعض التفاصيل الفنية على حساب الصورة العامة للمشكلة، فهذه وصفة لتجدد المشكلة وترسيخ للأزمة في القادم من الأيام.
هي فرصة حقيقية لوضع ملف الطاقة كله على الطاولة للبحث فيه تحت عنوان واحد وواضح: ما هو المطلوب لأن يسهم هذا الملف بتحقيق التنمية والانتعاش الاقتصادي ويحد من التدهور المعيشي للناس؟